بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله غافر الذنب، شديد العقاب ذي الطول، والصلاة والسلام على نبي الحق والرحمة الذي أسس قواعد الخير والأصول، ثم أما بعد : لقد قضى الله تعالى وقدر أن تكون أمة محمد صلى الله عليه وسلم أمة عظيمة لها رسالة جليلة، وأتباع كرام ، وأنصار أكفاء، وشرائع عادلة، ومناسك ربانية، وملة مستقيمة، وغير ذلك من المزايا والفضائل التي لا تعد ولا تحصى كما قال تعالى :{ وإن تعدوا نعمة الله ى تحصوها }، ومن هذه المكرمات التي شرفنا الله سبحانه وتعالى بها أعياد التوحيد والعبادة [عيد الفطر، وعيد الأضحى>، ولقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم اجتماع الأمم على منسك أو شعيرة عيدا، وما ذلك إلا لأنه يوم مشهود خاص مميز على سائر الأيام بشيء خاص والشريعة ميزت أعياد المسلمين بعبادة خاصة صلاة العيد وخطبة خاصة خطبة الجمعة وذكر خاص التكبير والتهليل وتهاني خاصة تقبل الله منا ومنكم، ولباس جديد أو نظيف خاص غير لباس سائر الأيام أو ثوب مهنة، ونسيكة خاصة ذبيحة نتقرب بها إلى الله تعالى... وغير ذلك من شعائر العيد ومناسكه، ولفظ العيد : هو اسم جنس يدخل فيه كل يوم أو مكان، وكلمة العيد في اللغة تطلق على كل يوم فيه جمع، وسمي عيداً لعوده مرة بعد مرة، ولهذا جاء في الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ : أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ [نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا، ثُمَّ هَذَا يَوْمُهُمِ الَّذِي فُرِضَ عَلَيْهِمْ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ فَهَدَانَا اللَّهُ فَالنَّاسُ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ الْيَهُودُ غَدًا وَالنَّصَارَى بَعْدَ غَدٍ> البخاري ومسلم والنسائي والإمام أحمد، هنا اختصنا الله بعيد أسبوعي يوم الجمعة نخالفهم فيه جميعا، ففضلنا به سبحانه عليهم، وهدانا إليه صراطا مستقيما، وأضلهم على علم وبينة،{ وما ربك بظلام للعبيد}، ويقاس العيد الحولي بالعيد الأسبوعي الذي تجب فيه المخالفة أيضا، وإذا كان هذا هو الحال بعيد يعرف بالحساب الإسلامي " بالتقويم القمري الصحيح الذي يوافق السنن الكونية الربانية"، فكيف بأعياد الكافرين العجمية التي لا تعرف إلا الحساب الرومي أو الفارسي أو القبطي أو نحو ذلك، ويقول شيخ الإسلام : " بأن جميع شرائع الرسل والأنبياء كانت بالهلال فلذلك نحن منهيون عن اتخاذ التقويم الميلادي" وكذلك فإن ما كان من شهورهم فهو أشد حرمة مما كان من شهورنا، لأنه بالإضافة إلى ما فيه من المشابهة، فيه زيادة اختصاص لهم لأنه ليس من شرائع الأنبياء أن يوقتوا بهذا "، ولقد نسخت شريعة النبي محمد صلى الله عليه وسلم بدين الإسلام الذي بعثه الله به به إلى جميع الخلق كل شرائع الأنبياء والمرسلين من قبل كما قال ربنا تبارك وتعالى : { ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين} آل عمران /85، وقال تعالى{ لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ، كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون، ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون، ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيرا منهم فاسقون}، فالدين والشرائع والشعائر إنما توقت بالتوقيت الرباني الذي لا خلل فيه ولا خطأ لأن الله تعالى تعبدهم بالحق واليقين، لا بالزيغ والضلال كما يفعل الهالكون المفترون لدجالون الكاذبون على الله تعالى ورسله،فعلى العبد المسلم أن يرضى بشعائر التوحيد التي سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن يكفر الكفر بكل عيد الكافرين المشركين كما أمرنا الله تعالى أن نرضى عن التوحيد وأن نسخط عن الشرك: {إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرض لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم }، وقال تعالى في مناسكنا وأعيادنا :{ اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلم دينا}، وقال تعالى { قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إن براء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنون بالله وحده } والله تعالى أعلم