كان الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور كان لا يعطي الشاعر على قصيدة نقلها من غيره وكان يحفظ ما يسمع من أول مرة ، وله غلام يحفظ القصيدة إذا سمعها مرتين و جارية تحفظ القصيدة إذا سمعتها ثلاثة مرات ..فكان الشاعر يكتب قصيدة طويلة ، يؤلفها طول ليلة وليلتين ثلاث ثم يعرضها للخليفة فيقول له الخليفة :
إن كانت من قولك أعطيناك وزن الذي كتبته عليها ذهبا وإن كانت من منقولك لم نعطك عليها شيئا فيوافق الشاعر .. ويلقيها على مسامع الخليفة فيحفظها الخليفة من أول مرة .. فيقول له أنني أحفظها منذ زمن بعيد فيقولها له ..ثم يؤكد ذلك بالغلام الذي حفظها أيضا فيذكرها كاملة ثم ينادي على الجارية التي قد سمعتها ثلاث مرات فحفظتها أيضا فتقولها كاملة ..فيشك الشاعر في نفسه ..وهكذا مع كل الشعراء .. فاكتأب كل الشعراء فبينما هم كذلك إذا بالأصمعي يقدم عليهم فيشكون إليه حالهم .. ويقولون له نجلس نؤلف القصيدة طوال الليل من بنيات أفكارنا ثم نكتشف أن ثلاثة يحفظونها قبلنا .. فقال : دعوا الأمر لي .. فكتب قصيدة ملونة الأبيات والموضوعات .. وتنكر بزي أعرابي وأتى الأمير ليسمعه شعره .. فقال الخليفة : أتعرف الشروط .. قال : نعم قال : هات القصيدة .. فقال :؟
صوت صفير البلبل ** هيج قلبي الثمل
الماء والزهر معا ** مع زهر لخط المقل
وأنت يا سيد لي ** وسيدي و موللي
فكم فكم تيمني ** غزيل عقيقل
قطفته من وجنة ** من لثم ورد الخجل
فقال لا لا لا لا ** و قد غدا مهرول
والخود مالت طربا ** من فعل هذا الرجل
فولولت وولولت ** ولي ولي يا ويللي
فقالت لا تولولي ** وبيني اللؤلؤلي
قالت له حين كذا ** أنهض وجد بالمقل
وفتية سقونني ** قهيوة كالعسللي
شممتها بأنفي ** أزكى من القرنفل
في وسط بستان حلي ** بالزهر والسرور لي
والعود دندندن لي ** والطبل طبطب طبلي
طبطب طبطب ** طبطب طبطب لي
والرقص قد طاب لي ** والسقف سقسق سق لي
شوا شوا وشاهش ** على ورق سفرجل
وغرد القمري يصيح ** ملل في مللي
ولو تراني راكبا ** على حمار أهزل
يمشي على ثلاثة ** كمشية العرنجل
والناس ترجم جملي ** في السوق بالقلقللي
والكل كعكع كعكع ** خلفي ومن حويللي
لكن مشيت هاربا ** من خشية العقنقل
إلى لقاء ملك ** معظم مبجل
يأمر لي بِخِلعَةٍ ** حمراء كالدم دم لي
أجر فيها ماشيا ** مبغددا للذيل
أنا الأديب الألمعي ** من حي أرض الموصل
نظمت قطعا زخرفت ** يعجز عنها الأدبل
أقول في مطلعها ** صوت صفير البلبل
فلم يستطيع الخليفة أن يحفظها لصعوبة كلماتها وتداخل حروفها ، فنادى الغلام فلم يستطع شيئا غير أبيات متقطعة فنادى الجارية فعجزت .. عندئذ قال الخليفة أحضر ما كتبته عليها لنعطيك وزنه ذهبا .. قال الأصمعي ورثت عمود رخام من أبي نقشت عليه القصيدة وهو على ظهر الناقة لا يحمله إلا أربعة من الجنود .. فانهار الخليفة وجئ بالعمود فوزن كل ما في الخزنة ... وعندما أراد الخروج .. قال الخليفة للحرس أوقفوه والله لا أظنه إلا الأصمعي .. فاتفق معه أن يعطي الشعراء ما تيسر من أجل تشجيعهم
مع تحياتي وفي انتظار ردوودكم